عزيز الداودي: هل يشترط في المترشح لرئاسيات الجزائر أن يكون معاديا للمغرب؟

بعد مرور أزيد من 62 سنة على استقلال الجزائر، مازالت عقيدة النظام هي أنه من أجل التباري على منصب رئيس الجمهورية وجب توفر شرطين أساسيين:

الأول مباركة المؤسسة العسكرية، والثاني التنافس على من يكون شرسا في عداوته للمغرب وتحديدا فيما يتعلق بوحدته الترابية. وبما أن للصراع المفتعل جذوره التاريخية فوجب استحضار كرونولوجيا الأحداث ابتداء من سنة 1963 أو ما عرف بحرب الرمال والتي كأنت حربا خاطفة انهزم فيها الجيش الجزائري أمام نظيره المغربي حين كان يحكم الجزائر في تلك الفترة الرئيس احمد بن بلة والذي احتضنته في فترة الاستعمار مدينة وجدة التي كانت قاعدة خلفية لتمويل جيش التحرير الجزائري بالعتاد والسلاح لمواجهة الاستعمار الفرنسي وقاعدة العربي بن امهيدي المجاهد الجزائري الموجودة في مدينة وجدة شاهدة على ذلك كما تشهد ضيعة بلحاج ببركان على اللقاء التاريخي الذي جمع بين بن بلة والزعيم الافريقي نيلسون مانديلا.

انقلاب الهواري بومدين على بن بلة حمل في طياته بوادر ابداء المزيد من العداوة تجاه المغرب خصوصا بعد ان ضم المغرب اقاليمه الصحراوية بموجب اتفاق مع إسبانيا الدولة المستعمرة للصحراء المغربية حيث عمد إلى تأسيس مليشيات البوليساريو، وجعل من تندوف قاعدة لها ووصل به الامر وللضغط على المغرب ان رحل قسريا ازيد من 45 ألف مواطن مغربي كانوا مقيمين بشكل شرعي بالجزائر وجردهم من أملاكهم وممتلكاتهم وفي عيد الأضحى المبارك.

كان ذلك طبعا في سنة 1975، بعد أن مات صاحب الثروة الصناعية والفلاحية والثقافية والذي بالمناسبة وفاته كانت غامضة بإحدى مستشفيات بموسكو.

تولى بعد ذلك رئاسة الجمهورية الشاذلي بنجديد بعد أن زكاه حزب جبهة التحرير الحزب الوحيد بالجزائر آنذاك وبعد أن امتنع العسكر عن تزكية محمد الصالح اليحياوي منظر حزب جبهة التحرير.

والحق يقال أن الشاذلي بنجديد حافظ على توازن العلاقات مع المغرب ولم يتردد في لقاء الملك الراحل الحسن الثاني بل كان من مؤسسي اتحاد المغرب العربي الذي كان من ثماره فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر والسماح بتنقل الأشخاص والممتلكات ناهيك عن السماح بالتعددية الحزبية بالجزائر لأول مرة بعد ربيع الجزائر في نهاية الثمانينات من القرن الماضي .

أجريت انتخابات بلدية وتشريعية حسمت نتائجها الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الحسم في السلطة السياسية. لولا تدخل العسكر مرة أخرى لإجبار الشاذلي بنجديد على الاستقالة وعلى تولي المجلس الاعلى للدولة الذي كان يرأسه الجنرال خالد نزار والذي استقدم محمد بوضياف من المغرب لينصبه رئيسا للجمهورية الجزائرية قبل أن يغتاله في صيف سنة 1992 وبعد ان أبدى مرونة في تعاطيه مع العلاقات المغربية الجزائرية ومع قضية الصحراء المغربية.

وفي العشرية السوداء التي راح ضحيتها ازيد من 126000 مواطن جزائري والاف المفقودين. نصب عسكر الجزائر الجنرال ليامين زروال الذي اجبر هو الاخر على تقديم استقالته. ليستقدم صناع القرار بوتفليقة من منفاه الاختياري بسويسرا ويعين رئيسا للجمهورية بعد انتخابات صورية لعب فيها المتنافسون دور الكومبارس. بوتفليقة قضى ما يناهز العشرين سنة في الحكم رغم مرضه الذي جعله لا يستطيع حتى النطق ومع ذلك رشحه العسكر لعهدة خامسة وهو ما فجر غضب الجزائريين ليخرجوا بالآلاف الى شوارع المدن الجزائرية منددين بحكم العسكر ومطالبين بدولة مدنية وبدستور ديمقراطي .ومرة أخرى اخترقت الاستخبارات العسكرية الجزائرية حراك الجزائر حيث ردد شعار ” بوتفليقة يا المروكي مفيهش عهدة خامسة” في إشارة الى مسقط رأس بوتفليقة والذي هو مدينة وجدة التي تبرأ منها ومن طفولته وفترة دراسته التي قضاها متنقلا بين مدرسة سيدي زيان، وثانويتي عبد المومن وعمر بن عبدالعزيز .بل لم يذكر يوما ان الرئيس الراحل الهواري بومدين التقاه بقاعدة العربي بن مهيدي بحي موريتانيا بوجدة وحمله معه إلى الجزائر ليعينه وزيرا للشباب والرياضة قبل أن يعين وزيرا للخارجية.

إلتف اذن العسكر على مطالب الحراك واستغل أزمة كورونا ليمنع التظاهرات والاحتجاجات والمسيرات وليطبخ مشروعه على نار هادئة ويرشح عبد المجيد تبون لرئاسة الجمهورية الجزائرية.

ومن غرائب الصدف انه مباشرة بعد حفل تنصيب بوتفليقة توفي الجنرال القايد صالح في ظروف غامضة ليعين مكانه السعيد شنقريحة والذي بسط سيطرته على مختلف مناحي الحياة السياسية والعسكرية والثقافية والرياضية والاعلامية.

وفي عهده توترت العلاقات المغربية الجزائرية ووصلت إلى القطيعة الديبلوماسية بل تعدى الأمر ذلك لتمنع الجزائر تحليق الطائرات المغربية في اجوائها. وسخرت اعلامها وذبابها الالكتروني لمهاجمة المغرب والاساءة لرموزه محملة اياه جميع الكوارث التي حلت بالبلاد من حرائق الغابات الى الهزائم في بعض انواع الرياضات الى الجفاف وقلة المياه الجوفية.

وطبعا عسكر الجزائر كان يريد من وراء ذلك الهاء المواطنين عن مشاكلهم الحقيقة مع الصحة والشغل والتعليم وتعليق شماعة الفشل على شماعة اسمها المروك.

الخلاصة أن مغرب الشعوب لن يكون إلا على أنقاض الطغمة العسكرية الحاكمة بالجزائر.

أنفاس بريس